الأحد، 30 مارس 2014

القشعمية



في حوش دار المحشي الذي يقع تحت علية البعيرات عاشت القشعمية في مطلع القرن العشرين ، ترملت باكرا وترك لها زوجها ثلاث بنات وولد اسمه محمود ، ونذرت حياتها لولدها وبناتها ، وكبر الولد وصار شابا ، وصار حلم أمه وأخواته الثلاث أن يفرحن به ويزوجنه ، وفي فترة إعداد العرس جاء الأتراك إلى القرية لتجنيد شباب لحرب اليمن ، وكان الشاب أحد المجندين ، لم يشفع له أنه وحيد أمه وابن أرملة ، فالمحسوبية والرشوة والأتوات فقط تشفع في تلك الأيام .
وسيق الشاب للتجنيد مع أقرانه ، ونقل إلى مغفر القشلة في القدس مكان تجميع المجندين ، في القشلة أصيب الشاب محمود بمرض مات على إثره ، وعاد إلى أمه وأخواته جثة وكن ينتظرنه ليعود عريسا ، مات الابن الوحيد ، وحلت على بيت القشعمية سحابة مأساة سوداء ثقيلة لم يطقن عليها صبرا ، فشقت لها الثياب ، وجن جنون الأخوات ، الأخت الكبيرة لم تتمالك نفسها ، وهجت من البيت تركض نزولا في طريق واد العباد ، لحقها الأهل لمنعها من ارتكاب حماقة تحت وقع المأساة التي حلت ببيتها ، وظلت تركض هائمة على وجهها حتى وصلت طريق الحروف في المصيات ، ثم ألقت بنفسها عن زنار المصيات ، وسقطت تحت الصخور السحيقة ، عاد بها الأهل لبيتها محطة العظام ، وما لبثت أن فارقت الحياة .
بعد ثلاث أو أربع سنوات لحقت بها الأخت الوسطى ، وماتت هي أيضا كمدا وحسرة على أخيها الوحيد ، وبعد سنوات ماتت الأم ، وبقيت البنت الصغرى ، وكبر سنها فتزوجها ابن عمها حسن ، ولم ينجب منها ، وظلت معه حتى ماتت هي الأخرى في أواخر الأربعينيات .
ماتت القشعمية ومات ابنها وماتت بناتها ، وانقطع نسلها . 
ولكن القشعمية تركت وراءها عدت منحدرات صخرية عميقة في كفرمالك يطلق على كل واحد منها " زنار القشعمية " ، اثنان في منطقة المصيات :الأول شرق عش الرخمة والثاني جنوب راس المطل ، والثالث يقع أسفل خلة العبهرة ..

القشعمية امرأة من كفرمالك حرمها الزمان من كتابة اسمها في شهادات الميلاد وكواشين الطابو ، فكتبت اسمها على الصخر لكي تُذكَّرنا بمأساة طواها الزمان ..!!  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق