في حوش دار المحشي الذي
يقع تحت علية البعيرات عاشت القشعمية في مطلع القرن العشرين ، ترملت باكرا وترك
لها زوجها ثلاث بنات وولد اسمه محمود ، ونذرت حياتها لولدها وبناتها ، وكبر الولد
وصار شابا ، وصار حلم أمه وأخواته الثلاث أن يفرحن به ويزوجنه ، وفي فترة إعداد
العرس جاء الأتراك إلى القرية لتجنيد شباب لحرب اليمن ، وكان الشاب أحد المجندين ،
لم يشفع له أنه وحيد أمه وابن أرملة ، فالمحسوبية والرشوة والأتوات فقط تشفع في
تلك الأيام .
وسيق الشاب للتجنيد مع
أقرانه ، ونقل إلى مغفر القشلة في القدس مكان تجميع المجندين ، في القشلة أصيب
الشاب محمود بمرض مات على إثره ، وعاد إلى أمه وأخواته جثة وكن ينتظرنه ليعود
عريسا ، مات الابن الوحيد ، وحلت على بيت القشعمية سحابة مأساة سوداء ثقيلة لم
يطقن عليها صبرا ، فشقت لها الثياب ، وجن جنون الأخوات ، الأخت الكبيرة لم تتمالك
نفسها ، وهجت من البيت تركض نزولا في طريق واد العباد ، لحقها الأهل لمنعها من ارتكاب
حماقة تحت وقع المأساة التي حلت ببيتها ، وظلت تركض هائمة على وجهها حتى وصلت طريق
الحروف في المصيات ، ثم ألقت بنفسها عن زنار المصيات ، وسقطت تحت الصخور السحيقة ،
عاد بها الأهل لبيتها محطة العظام ، وما لبثت أن فارقت الحياة .
بعد ثلاث أو أربع سنوات
لحقت بها الأخت الوسطى ، وماتت هي أيضا كمدا وحسرة على أخيها الوحيد ، وبعد سنوات
ماتت الأم ، وبقيت البنت الصغرى ، وكبر سنها فتزوجها ابن عمها حسن ، ولم ينجب منها
، وظلت معه حتى ماتت هي الأخرى في أواخر الأربعينيات .
ماتت القشعمية ومات
ابنها وماتت بناتها ، وانقطع نسلها .
ولكن القشعمية تركت
وراءها عدت منحدرات صخرية عميقة في كفرمالك يطلق على كل واحد منها " زنار
القشعمية " ، اثنان في منطقة المصيات :الأول شرق عش الرخمة والثاني جنوب راس
المطل ، والثالث يقع أسفل خلة العبهرة ..
القشعمية امرأة من
كفرمالك حرمها الزمان من كتابة اسمها في شهادات الميلاد وكواشين الطابو ، فكتبت
اسمها على الصخر لكي تُذكَّرنا بمأساة طواها الزمان ..!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق