ذات يوم في أيام الانتداب الانجليزي على فلسطين ، وبعد صلاة الفجر ، عبأ مختار أول كفرمالك الحاج مصطفى أحمد طبقة التتن بدخان هيشي من ذلك النوع الحامي الذي كان أهل القرية يزرعونه أمام المغر حيث السماد الطبيعي طبقة فوق طبقة ، فينتج أوراق تبغ دخانها يعمي العينين ويعبأ الرأس بالكيف .
ركب الحاج مصطفى فرسه وتوجه إلى رام الله لحضور اجتماع العام لمخاتير رام الله البالغ عددهم مئة مختار ومختار ، وهو نفس عدد قرى رام الله في ذلك الوقت مئة وقرية . مع الحاكم العسكري البريطاني ، والهدف ترهيب المخاتير من التعاون مع " الأشقياء " أي الثوار .
كان الاجتماع مع ضابط انجليزي اسمه " المستر فورد " ، والضابط هذا له ماض غير مشرف مع أهالي كفرمالك ، فقد جرجره صبحي عيسى على أرض علية البعيرات ، ومسح به الأرض عن حق وحقيق .
وهناك في مبنى المقاطعة في رام الله ، اجتمع المستر فورد مع جموع المخاتير القادمين من قرى رام الله ، فرحت المخاتير تسمع تعليمات المستر فورد في ضدر القاعة ، وتهز الرؤوس سمعا وطاعة ، في هذا الوقت طقت على بال مختار أول كفر مالك السيجارة ، فنقر بطرف إصبعه على غطاء علبة التتن ، وفتحها ، وسحب ورقة من دفتر الأوتومان ، ولف سيجارة هيشي ، وأحكم إغلاقها بريقه ، وأشعلها ، وبدأ ينفخ دخانا أزرق فوق رؤوس الحضور .
دخان الهيشى له رائحة حادة قوية لم يحتملها المستر فورد ، فقال مغاضبا :
ـ يا مخاتير ، مين هذا المختار اللي يدخن دخان قتلنا بريحته ، يطلع برّة يدخن .
هنا وقف مختار أول كفرمالك الحاج مصطفى ، الذي لم يعجبه كلام المستر فورد ، وقال :
ـ يا مستر فورد ، حضرة جنابك لما تشرفنا بزيارة بنستقبلك في المضافة على كفوف الراحة ، وبنحط تحت جنابك فرشتين صوف عشان توخذ راحتك ، وبنحط قدامك خروف ومنسف بشر سمن بلدي ، وفرسك بدل التبن بنعلفها شعير بسكر ، ولما احنا نجي لعندكم ما بنشوف إكرام ولا احترام ، الواحد فينا بدخن سيجارته من طبقته ، من جيبته وحرّ ماله ، وانت محلّمنا جميلة بالقعدة على كراسيك .. أقولك خذ هيْ ختمك ، وبدناش مالمخترة إللي بدها تجيب إلنا قلّة القيمة ، ويالله يا مخاتير ، ما إلنا قعاد في المجلس .
ورمى الحاج مصطفى ختمه على الطاولة أمام المستر فورد ، وخرج ، وتبعه عدد من المخاتير ، وتضامنوا معه ، هنا أدرك المستر فورد أنه لابد من استرضاء المخاتير ، فأعادهم ، وطيب خاطر الزعلان فيهم . وقرر أن يجعل للمخاتير شيئا من القيمة ، فأقر قانون ضيافة للمخاتير بأن تجهز لهم عند زيارتهم للمقاطعة القهوة السادة ، ويقدم لهم دخان افرنجي من نوع ( فايف دبل فايف ) لكي يستطيع احتمال رائحته ، لأنها أرحم من دخان سيجارة الهيشي الذي يخنق المستر فورد وجنوده .
ملاحظة :
يقال بأن المستر فورد هو نفسه اللورد كاردون مندوب بريطانيا لدى الأمم المتحدة الذي كان له دور في صياغة قرار التقسيم عام 1947 . واسمه الذي نجده قبل أن يصبح لورد هو " هيو فوت " وكان في عام 1936 الحاكم العسكري لمدينة نابلس ، وهناك تعرف على المناضل الكاتب الفلسطيني أكرم زعيتر الذي سجنه وأبعده لنشاطه في ثورة 36 ، والتقى مرة ثانية بأكرم زعيتر عام 1966 حيث كان زعيتر وزير خارجية الأردن في الأمم المتحدة ، وكتب اللورد لأكرم قصيدة بعنوان " From a Tyrant to a Rebel " أي " من طاغية إلى ثائر " يعتذر فيها عن اضطهاده وحبسه ، يقول فيها :
لقد حسم أمره منذ كان في المدرسة
بشجاعة تحدى الاحتلال البريطاني
الثائر أكرم لا يعرف الخوف
ورغم نفيه إلى عوجا الحفير
فإنه لم يعرف الحقد
وبشهامة العربي
جلب نهاية سعيدة
وسمح للطاغية أن يكون صديقه
ويوما ما سوف يرون أرض المعياد
ويعودان إلى نابلس يدا بيد .
الاعتراف كان حقا وعدلا
الاعتراف كان حقا وعدلا
حسب مبادئ 242
بقلم : اللورد كارادون
بقلم : اللورد كارادون
He was resolved while still at school
Bravely to challenge British rule
The rebel Akram did not fear
Exile to Auja El Hafir.
But from all malice he was free
With Arab magnanimity
Forgiveness brought a happy end
He let the tyrant be his friend.
One day they'll see the Promised Land
Return to Nablus hand in hand
Acknowledging as just and true
The principles ot two – four – two.
By;- Lord Caradon
وزير خارجية الأردن أكرم زعيتر في الأمم المتحدة عام 1966
اللورد كاردون في الأمم المتحدة في نفس الفترة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق