في أيام الطفولة كنا نفرح ونطرب عندما نسمع كلمة " جُورعة " ، فيوم الجورعة هو يوم عيد سعيد ، أما اليوم فأغلب أولاد و شباب كفرمالك لا يعرفون هذه الكلمة ، لأن ظاهرة الجورعة اختفت في القرية منذ صرنا نأكل خبز الكماج بدل خبز الطابون والصاج ، ونشتري اللوز التركي المقشور بدل اللوز البلدي من تعامير الصيافير ، وصرنا نشتري البصل من الأرجنتين والثوم من الصين .. !!
فما هي الجورعة ؟!
بحثت عن كلمة جورعة في معجم المعاني فلم أجدها ، وبحثت عن مفردات على وزن ( فوعلة ) فوجدت صومعة من الجذر صمع ، صومع الزاهد أي اعتزل ، وصومع الحبوب أي جمعها ، وقياس على هذه القاعدة فإن جورعة من جرع ، وجرع الماء إي بلعه ، ونحن نقول لقاع البيت إذا نفذ منه الماء بولع ومنه بالوعة ، إذن جورع معناها اطعم والله أعلم .
وبحثت عن الجورعة في جوجل فظهر لي : إما وليمة وطبيخ أو حفلة وصريخ
أولا : الجورعة هي وليمة عند بعض الفلاحين ..
الجورعة : في نهاية موسم الحصيدة أو البيادر كانوا يصنعون وليمة محلية يدعون إليها بعض الأصدقاء والأقارب والجيران والذين شاركوهم في المعونة ليتعشوا سويا، وهذه الحفلة تسمي (الجورعة) حيث يأكلون ويتحلون بالحلوى ويشربون القهوة والشاي ويدخنون، وينصرفون إلى بيوتهم بعد انتهاء السهرة داعين بدوام الخير والبركة على صاحب النعمة .هذه المناسبة تقامفي آخر يوم من أيام الحصاد حيث يحتفل الفلاح بهذا اليوم وكلٌّ حسب قدرته. فتقامالولائم وتقدم الحلويات المختلفة في ليلة الجورعة.
ثانيا : الجورعة هي حفلة عند آخرين
الجورعة .. هي نهاية موسم الحصاد حيث يتعاون الذي انتهى من حصاد موسمه مع الذي لم ينته وتقام ولائم نهاية البيدر مع أغاني الجورعة مثل :
يا ظريف الطول.. جورعنا القمحات
وجعلنا المقيل .. ع نبع البحرات.. وغيرها من الأغاني.
فما هي الجورعة في تراث كفر مالك ؟!!
الجورعة في تراث كفرمالك لها شكل ومعنى آخر ، وتتمثل أن يقوم صاحب كرم اللوز أو التين أو البيدر بتوزيع جزء معتبر من محصوله على الناس في نهاية الموسم ، وغالبا ما يحضر الفقراء والبسطاء والأطفال ختام مواسم الجداد والحصاد لكي ينالوا نصيبهم من المحصول . كأن يترك صاحب الزيتون زيتونة بحملها دون جداد ، أو يترك صاحب كرم اللوز لوزة كاملة ، حتى صاحب مقثاة الفكوس والخيار أو البصل في سهل عين سامية ، كان يترك جزءا من مخصوله لعابر الطريق أو الذي يعاني من ضيق الحال، وكانت هذه الجورعة تعد واجبا وفرضا على كل صاحب ثمار .
عادة أعالي كفرمالك بالجورعة كانت أقرب إلى الدين من غيرها من عادات المناطق الأخرى ، فالجورعة هي أقرب ما تكون إلى زكاة الزرع المذكورة في قوله تعالى : " وآتوا حقّه يوم حصاده " .
وكل عام وأنتم إلى الله أقرب ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق