خربة الزيتون في كفرمالك .. مستودع أسرار من العصر الصليبي
خربة الزيتون في كفرمالك
مستودع أسرار من العصر الصليبي
اسم خربة يطلق في الغالب على مكان أثري
درست معالمه أو خربت ، وبقي فيها شواهد من الآثار على عمران سابق ، وفي كفرمالك
عدة مناطق تعرف باسم خربة مثل : خربة البيار ، وخربة خلة سوار ، وأشهرها خربة
الزيتون غرب القرية .
في خربة الزيتون أكبر أشجار الزيتون
عمرا ، وهناك شجرة زيتون قطرها حوالي ثلاثة أمتار شاهدة على تاريخ هذه المنطقة ، فهذا
يعني أن عمرها تجاوز الألف عام .
تقول كتب التاريخ أن كفرمالك وقعت تحت
الاحتلال الصليبي إبان الحملة الصليبية الأولى التي بدأت عام 1096 مـ ، وكان
قائدها جودفري دي بوبون الرابع ، وسقطت القدس بيد الصليبين عام 1099 م ، وقامت فيها مملكة القدس اللاتينية ، وركز
الصليبيون على احتلال مدن الموانئ على شاطئ المتوسط ، وسعوا للسيطرة على أماكن
تواجد المياه في المناطق الداخلية ، وأقاموا فيها مستوطنات منها مستوطنة البيرة
وعين سينيا وبيتونيا وعين قينيا وكفرمالك في منطقة رام الله .
عرف عن الصليبين أن فرسانهم كانوا
يتمركزون في قلاع ، وقريبا من كفرمالك في قرية الطيبة التي سموها ( إفرون ) أقاموا
قلعة ما زالت آثارها قائمة حتى اليوم تدعى البوبرية ، أخذت اسمها من من القائد
بوفري حيث أهديت له من قبل ملك مملكة القدس ( بلدوين الرابع ) . ومن أشهر أماكن
تواجدهم في المنطقة قرية سنجل التي أقام فيها الدوق ريمون دي سان جيل ( 1105 _
1141 م ) دوق إقليم تولوز في فرنسا قلعة وسميت
القرية على اسمه فيما بعد .
ذُكرت كفرمالك في الوثائق الصليبية ففي شهر أيار من عام 1128 م عقد اجتماع برئاسة ملك بيت المقدس بلدوين الثاني ، وحضره حشد كبير
من الأمراء ورجال الدين في المملكة الصليبية ، كان من أهم قراراته منح قرية كفر
مالك الواقعة في حدود إقطاعية نابلس مع الأراضي والضياع المحيطة بها لكنيسة
القيامة المقدسة ولرئيسها وليم ولرجال الدين الآخرين بها الذين يعملون في خدمة
المسيح (عليه السلام) في الحاضر والمستقبل ، على أن تكون قرية كفرمالك حقا مستمرا
لكنيسة القيامة ، دون أن يكون هناك أي اعتراض من قبل الورثة أو من أي إنسان آخر .
في هذه المنحة جرى تهجير أهالي قرية كفر مالك
وترحيلهم إلى قرية بيت فوريك الواقعة شرقي مدينة نابلس وعلى بعد نحو ستة كيلومترات
منها، ويبدو أن الفرنجة الصليبيين حاولوا تفريغ البلاد مـن أصحابهـا للسيطـرة علـى
الأراضـي الزراعية الخصبـة.
عثر اهالي كفرمالك بالصدفة أو من خلال
البحث المقص فيها على آبار ومغر ومعاصي قديمة ، وجدوا داخل هذه المغر
في ردمها صلبان نحاسية ، ، كما أن هناك بعض المغر رسم على حيطانها المشيدة صلبان
كبيرة وشعارات صليبية ، كما عثر بعض النباشين على أسلحة ومعدات حربية تعود للعصر
الصليبي قدروا أنها تعود للعصر الصليبي ، وكثيرا ما تكشف الانهيارات الطبيعية عن
آبار ومغر تحت أرض هذه الخربة . وأرض هذه الخربة ذات صخور طرية يسهل الحفر فيها .
شمال غرب هذه الخربة منطقة مشرفة تدعى
بير المالح ، والبئر وما حوله أرض وقف ، بئر المالح بئر معين لا ينفذ ماؤها طوال
العام ، وبجوار هذا البئر من جهة الشمال منطار حجري من العصر الحديث ، ولكن تحته يوجد في الصخر حفر
وقص هندسي أغلب الظن أنه كان مرصدا عسكريا يراقب ويشرف على مساحة واسعة أسفل منه ،
وبجواره بئر ماء ، وأرضية من الفسيفساء .
إن موقع خربة الزيتون المتوسط بين قلعة
البوبرية في الطيبة وقلعة سنجل ، ومكانتها المشرفة على ما دونها من الأراضي ،
ووجود مرصد عسكري على طرفها الشمالي ، ووجود مغر ومعاصي أي مخابئ سرية فيها ،
والعثور على شعارات ومعدات صليبية فيها يثير أسئلة كبيرة حول دور هذه الخربة
ومكانتها في العصر الصليبي ، فهل كانت مستوطنة سكنها الصليبيون قبل طرد أهالي
كفرمالك منها ، وحلوا محلهم ؟ أم كانت ملجأ احتياطيا يستخدم في اللحظات الحرجة ؟
لقد قام بعض أهالي كفرمالك ممن امتهنوا حرفة البحث
عن الآثار والكنوز القديمة بحفريات عشوائية كثيرة في منطقة خربة الزيتون ، هذه
الحفريات وإن كشفت عن بعض أسرار هذه المنطقة إلا أنها لم تؤدي خدمة توثيقة تاريخية
لدارسي علم الآثار ، وإن تشكيل فريق متخصص من الأثرين والدارسين والقيام بحفريات على
أسس علمية كفيل بأن يزود البحث التاريخي بمعلومات ودلائل بالغة الأهمية للتعرف على
طبيعة الاستيطان الصليبي في فلسطين خلال الحروب الصليبية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق